عرض مشاركة واحدة
قديم منذ /02-13-2012, 04:35 PM   #2

mody30

mody30 غير متواجد حالياً

 رقم العضوية : 61731
 تاريخ التسجيل : 10 - 2 - 2012
 المشاركات : 435
 الحكمة المفضلة : Egypt
 SMS :

Male

افتراضي

نقلت طفلتها بعناية من يدٍ إلى أخرى و هي تدلف البيت بهدوء شديد .. تعلم جيدا أين ستجد أصحابه في هذا الوقت .. توجهت مباشرة نحو المطبخ .. لتتسع ابتسامتها حالما وقعت عيناها على أمها و هي تدور و تساعد الخادمة في إعداد الغداء ..

- السلام عليكم ..

التفتت أمها بحنان و هي تتقدم منها ..

- و عليكم السلام و الرحمة .. مرحبا .. مرحبا .. حيا الله من يا ..

قبلت رأس أمها و هي تناولها الصغيرة لتسلم عليها ..

- يحييج و يبقيج فديتج .. شحالج أمايا ..

تخرجها من المطبخ و تقودها للصالة ..

- بخير يعلج الخير .. شحالج انتي و شحال مريومتي - و ضمت الصغيرة لصدرها بحنان - بعدها مريظة ..؟!

تنهدت إبنتها ..

- يسرج حاليه .. مريوم تونيه يايبتنها من العيادة مسويلها أكسجين .. إدعيلها انتي بس ..

- الله يشفيها ..

- آمين ..

مدت أناملها تمررها على شعر ابنتها الغارقة في حضن أمها ..

- خالتيه وديمة شحالها ..

نظرت لها أمها شزرا ..

- لازم بتخبرين عنها سميتج .. ما تنشدتي عن خوانج ..

ضحكت وديمة بمرح ..

- شوه أمايه ليكون تغارين ..!

عقدت أمها جبينها ..

- أغار من شوه .. صدق ما عندكن سالفة يا بنات هالزمن ..

ابتسمت بهدوء ..

- لا صدق أمايه .. خالوه شحالها .. من زمان عديبها ..

تنهدت أمها بأسى ..

- لا تخبرينيه .. و الله أنا لي من زمان عنها .. من أسبوعين يمكن هب داريه عنها .. التهيت بالبيت و العيال و ما رمت أسير لها .. هي لو عندها تيلفون كان زين ..

ابتسمت وديمة بمرارة لزلة أمها ..

- و لو عندها تيلفون كيف بترمسينها ..

اتسعت عينا أمها بادراك قبل أن تزفر بضيق .. تابعت وديمة ..

- التيلفون عند هالخبلة حوورووه ... بس دومها مبندتنه ..

- هيه ترانيه تخبرت مايد البارحة و قاليه إنها ما تبطله .. مادري عيل ليش يايبتنه ..

- شوه يايبتنه بعد .. هذا لي يقاله ريلها يايبنه لها .. بس ما تبطله خايفة يتصل .. و الله إنها مشفرة هالبنية .. إلا ما أرضعتيها شي من العقل يا أميه ..

ضربتها أمها بخفة على ذراعها و هي تنهرها مدافعة عن ابنتها بالرضاعة ..

- حور أعقل عنج ظامة هل بيتهم كلهم هي و المها .. غير أبوها ما سوى خير يوم فرها في ذمة هالريال .. عنبوه من ملك عليها ما شافت شيفته ،،، أمبونها هب عارفتنه هي و أهله لي ما شافتهم غير يوم الملكة المنحوس ..

خففت وديمة عن أمها ..

- شوه تبين ابهم .. هاييلا هلهم .. و متفاهمين .. تعرفين انتي البير و غطاه .. خلينا برا هالسالفة أخير لنا ..

قالت أمها بقوة ..

- هاي بنتيه ..

- أدري فديتج .. بس شوه بتغيرين انتي من الوضع ..؟! ما باليد حيله يا أميه .. إذا أبوها راضي بالوضع .. نحن مالنا حجة عليه ..

نفخت أمها بقهر و هي تنظر لوجه الطفلة ..

يقع ظلم كبير على تلك الفتاة و الكل يتفرج ..!



* * * * *



عقدت جبينها بشدة و هي ترى المسألة تتعقد في عينها أكثر .. فأكثر .. حقا لن تجني شيئا من خلف هذه الفيزياء بخلاف خلل سيصيب دماغها مع نهاية العام ..

صفقت الكتاب بقوة لتدسه في حقيبتها المدرسية .. و تضم غطاء رأسها جيدا .. لتنظر عبر نافذة الحافلة للخارج و تزفر ببطء ..

زحمة الشوارع الضيّقة و هذه الأحياء المتقاربة .. و السيارات العائدة من أعمال أصحابها ..

كانت أصوات الفتيات في الحافلة المدرسية و هي تقلهم للبيت من المدرسة تعلو و تتفاوت و ضحكاتهن تملأ الجو ..

أيجدن في نفوسهن النشاط لشق الإبتسامة بعد يومهن الدراسي .. عجيب ..!!

من زحمة الأصوات يصل لمسامعها صوتين تألفهما كما تألف اسمها .. ضحكاتهن .. و حكاياتهن المتحمسة ..

رغم عنها وجدت نفسها تبتسم و هي تستمع لأختها التي تصغرها بسنتين و هي تتحدث بصوت عالٍ عن قصة تعرف هي جيدا أنها لم تحدث قط ،، و لكنها تستمتع بسرد الأكاذيب و الحكايات الملفقة .. هذا ما يجعلها محط الأنظار من زميلاتها .. هي و أختها الأخرى التي تكبر الصغيرة بسنة .. يستطعن الاندماج بسرعة معا في أي مكان ما ،،، و لم يكن ذاك صعبا عليهن في المدرسة .. حيث جميع من ينضم لذاك المجتمع يقاربهن في السن ..

شعرت بثقل يقع بجانبها على طرف المقعد الخالي .. لترى أختها التي تصغرها بسنة مسترخية و هي تلف غطاء رأسها بعنف ..

- أوووف .. حررر .. بموووت .. عفاري لو انصهرت حطونيه في الثلاجة ..

و راحت تضحك بشدة على نكتتها السخيفة .. فيما هزت عفرا رأسها باستخفاف ..

- وين هاي الثلاجة لي بتسدج ..؟!

نظرت بطرف عينها و هي تقول بتكبر ..

- شوه أخت عفرا .. عندج شك في رشاقتي ..؟!

رفعت عفرا حاجبا ساخرا ..

- لا حشا .. امنوه بيشك في حجمج يا نورة ما شا الله .. إنتي يقين تسدين عين الشمس ،،،

ابتسمت نورة بخبث ..

- كأنج تسبينيه .. بس ما عليه ،، ناقة ما ألومج أكيد تغارين ..

نظرت لها بضيق .. لا تحب أن يعيّرها أحد بطولها .. خصوصا شقيقاتها القصيرات القامة اللواتي تفوقهن طولا ..

- ما برد عليج يا حكيم الأقزام .. أشري لختج خليها تيي .. قربنا من راس شارع الفريق ..

رفعت نورة يدها بحماس و هي تشير لأختهن و تقول بصوت مرتفع تريد أن يصلها من بين أصوات الفتيات ..

- داانوووه ..

التفتت دانة نحوهن قبل أن تشير نورة لمقدمة الحافلة .. فالتقطت دانة حقيبتها ثم تقدمت للكرسي لتدفع نورة إلى الداخل و تجلس بجانبها .. رغم ضيق الكرسي الذي بالكاد اتسع لثلاثتهن .. إلا أنهن لم يشعر بالضيق .. لحظات و توقفت الحافلة عند موقفهن المعتاد .. حملن حقائبهن المدرسيّة على أكتافهن قبل أن يرفعن أطراف غطاء رؤوسهن على وجوههن و ينزلن من الحافلة تباعا ..، تحركت الحافلة مبتعدة و مفسحة لهن الطريق ليقطعن المسافة المتبقية بين البيت و المنزل مشيا على الأقدام .. تذمرت دانة بشدة ..

- ما بوصل البيت إلا أنا متسبحة عرق .. حر حر .. أففف .. الله المستعان ..

كادت تبكي حين رأت سيارة مقبلة من الشارع البعيد ..

- لااا .. هب ناقصينه هالسبال بعد ،،،

التفتن جميعا ليرن السيارة المقبلة .. هتفت نورة بحنق ..

- و الله العظيم لفره بحصى ،، هالثور ما يفطن .. عنبوه ما يحشم ييرانه .. أنا أقول شعنه ما تم معرس غير سنة امنوه يروم لواحد شراته هالحقير ..

كانت عفرا هادئة و صارمة ,,

- ما عليكن امنه .. سون طاف و امشن و لا تلفن يمين و لا شمال .. نورة و الله ليوصل الخبر لبوية هب حور لو رديتي عليه .. خليه يخيس هو و رمسته السم .. طنشن و الا بيشجعه المرادد .. سيده ..

قالت دانة بغصة ..

- لو أروم أقول لبوية بس .. و الله ليدفنه في القاع الكلب ..

همست نورة مع إقتراب السيارة التي أصبحت تمشي بقربهن ببطء ..

- خبلة انتي ..؟! بيدفنه و بيدفنا وياه .. ابوج ما عنده ون تو .. بقول انتن يريتنه .. طبيه الخايس ما يرزا ..

و ببطء أنزل زجاج نافذة السيارة ببطء شديد .. و هو يقول بصوت يحاول جاهدا أنا يكون رقيقا ..

- السلام عليكن بنات ..

واصلن البنات يحثثن الخطى بصمت .. لم يعدن حتى يتبادلن الأحاديث فيما بينهن ..

- أفاا ما تردن السلام .. السلام لله .. ما تبن توصيله ..

تشعر نورة بشيء يتصاعد في صدرها .. تريد أن تتوقف لتلتقط حجرا من حجارة هذا الشارع المهمل لترميها على رأسه عديم النفع .. و صوته النشاز يصلهن و هو يقول بخبث ..

- حرام و الله غصون البان تمشي تحت هالشمس .. فديت عرضاتهم العرب .. لو من أهلكن كان حطيت موتر و دريول خاص يوصلكن الين باب الحجرة ..

همست نورة بحقد لا يسمعها إلا أختيها ..

- إنقلع زين .. انته لو تروم سير بدل موترك .. لو تغازل ع سيكل أشرف لك من هالكشرة ..

حبست أختيها الضحكات باستماتة .. و تنفسن الصعداء حين لاح البيت الصغير لهن من بعيد .. قال هو مودعا ..

- الوعد باكر يا الغراشيب .. ارقبنيه ..

و أسرع من سير سيارته .. لا يستطيع اللحاق بهن حين يقتربن من البيت يخشى على نفسه من أبيهن ..

في حين تنهدت دانة بارتياح ..

- روحة بلا رده .. أونه ارقبنيه .. عنلاته الخسيس ..

دلفن من الباب الحديدي .. و أحنت عفرا رأسها كي لا ترتطم بقمته القصيرة .. ليدلفن إلى الداخل ..

دخلن الصالة ليجدن الجميع يجلس في الصالة .. أمهن و حور و المها .. و شقيقهن ذو الثلاثة عشر عاما .. و أخواتهن الصغيرات .. الأولى في الرابعة عشر من عمرها .. و الثانية لم تتجاوز العاشرة ..

هتف الفتى فور رؤيتهن ..

- هاا ... شرفن الشيخات يالله حطوو الغدا ..

لم تنتبه المها لوصولهن و لا أمها .. لامست حور طرف يدها لتلتفت لها .. ثم ترى أخواتها الثلاث قد وصلن ابتسمت لهن فأقبلن يقبلن رأس أمهن القابعة في زاوية الصالة .. واحدة تلو الأخرى ..

و حور تقول ..

- أبطيتن ..

عفرا و هي تلقي حقيبتها بثقل .. و تدلك كتفها ..

- الباص تأخر ..

- صليتن ..؟

- الحمد الله..

- خلاص بنحط الغدا ..

و هبت واقفة لتقف المها معها .. لحظات قبل أن يخرجن من باب المطبخ و حور تحمل صحن الغداء .. و المها بيدها إبريق ماء بارد ..

وضعوا الغداء و التفوا حول الصحن جميعا يتناولونه بنهم هتف الصبي بحماس ..

- مزنة صبيليه ماي ..

تذمرت الطفلة ذات العشرة أعوام ..

- أففف .. ليش تحطون الماي عندي .. ما يخصنيه .. بصب لنايف .. خلاف لي يبا الماي يصب لعمره ..

رفعت دانه يدها تضرب مؤخرة رأسها ..

- جب زين .. بتصبين و انتي حمارة .. أصغر القوم بشكارهم .. انتي بشكارتناا ..

صاحت مزنة مستنجدة ..

- حوووور قوليلهااااا ..

تأففت حور ..

- دانووه يوزي عن أختج .. خلينا نتغدا و ننظف المكان قبل لا يي أبوية ..

نظرت دانة لمزنة متوعدة .. لتصيح الأخيرة مرة أخرى ..

- حور تطالعنيه ..

نظرت حور لهن بغضب ..

- أفف .. و بعدين يعني .. دانووه قسم بالله أكسر راسج لو ما إصطلبتي .. عنبوه تحطين راسج براس هالياهل .. و بعدين انتي خلي عنج البزا و لو طالعتج بتاكلج يعني .. تغدن و انتن ساكتات ..

قال صوت هادئ من جانبها ..

- محد ياكل و هو ساكت إلا اليهود .. أبلة الدين قالت ..

نظرت نورة ساخرة لأختها ذات الأربعة عشر عاما ..

- أوووه رمست الشيخة هند مفتي مكة .. محد يرادها ..

إنعقد جبين حور في غضب حقيقي ..

- انتن بتصخن و الا شوه ..

نكس الجميع رؤوسهم يتابعون طعامهم بهدوء .. و نورة و دانة يتهامسن في شيء ما .. عفرا تنظر لحور ..

- تخبرتي فطوم عن الفستان ..؟!

هزت حور رأسها ..

- هيه بتييبه العصر .. نايف عقب الغدا لا ترقد .. خلص واجباتك .. مزنووه .. انتي بعد .. لا يي العصر الا و انتوو مخلصين ..

الوحيدتان اللتان لم تكونا منزعجتين من الحديث المعتاد كل يوم هما المها و أمهم ..

لأن شيئا من الحديث لم يصلهن ..!



* * * * *



سحب نفسا عميقا من السيجارة قبل أن ينفثه ببطء في جو سيارتها الفارهه .. نظر عبر زجاج نافذتها الذي لن يتبين من بالخارج شيئا منه .. و هو ينظر للفيلا العملاقة الجاثمة بسلطة على أنفاس الأرض كوحش مستعد لبلع من يقترب منها ..

فتحت باب سيارته ليرمي بعقب سيجارته على الأرض و يدوسها بطرف حذائه الفاخر ،،، و ابتسامة ساخرة تعلو شفتيه .. و هو يفكر بأنهم بالتأكيد ينتظرونه الآن .. ألقى نظرة لا مبالية على ساعته التي تقارب الثانية و النصف ظهرا .. و هو يكتم ضحكة خبيثة داخله ..لابد أنهم على نار .. لن يضيرهم الشعور بالجوع قليلا .. لم يهتم لكون من ينتظره بالداخل هم أبوه و إخوته .. و أعمامه الثلاثة و أبناءهم .. و على رأسهم جده .. و لان وجهه الصلب قليلا و هو يفكر بأنه الوحيد الذي سيجبرهم على انتظاره .. فكر بأن يجلس قليلا في الخارج لمجرد أن يضايقهم ..

و كأنما شعر برغبته تلك .. ارتفع رنين هاتفه بحدة يشق سكون الباحة الأمامية الشاسعة المساحة ،، يرفعه ببطء و رقم أبيه يتراقص على شاشته ..

- ألوو ..

كان أبيه غاضبا .. يتضح ذاك من صوته المكتوم ..

- انته وين ..؟

قال ببرود شديد ..

- عند باب البيت .. رب ما شر ..

نفخ والده بضيق ..

- أبطيت علينا .. لنا ساعتين هنيه و انته ما شرفت .. خوك الثاني وينه ..

شخر ساخرا ..

- أي واحد فيهم..؟! عندي أربعة ..

- حامد .. وينه ..

تصلب وجهه و هو يقول ..

- تلقاه يرتغد في واحد من هالمولات .. مادريبه وينه ..

أنهى أبوه المكالمة دون أن يزيد بكلمة واحدة ..

نظر لشاشة الهاتف لوهلة واحدة قبل أن يعيده لجيبه ثم ينظر لانعكاس صورته على نافذة سيارته السوداء .. يرتب وضع - الغترة - قبل أن يستدير متوجها نحو البوابة الرئيسية للبيت المقابلة له .. و هو يمشي بخطوات واثقة .. جسده القوي يقطع المسافة بهدوء .. ليصل إلى الباب و يفتحه على مصراعيه ..

خلف هذا الباب .. امتدت أمامه قاعة الإستقبال الفسيحة .. الفخمة .. بما علق على أسقفها من ثريات و وزع على مداها من الأثاث ما يشغلها .. توجه نحو المجلس الداخلي حين يجتمعون على الغداء كل خميس في بيت جده .. أو بالأحرى بيته .. المكان الذي تربى و كبر وسطه .. ترعرع وسط برود جدرانه .. و قسوة سكانه الذي ارتشفها منذ الصغر ليتعلمها .. و يتقنها درعا يكسو وجهه الذي اكتساه الجمود فور اقترابه من الباب .. لا شيء كان يذيب جمود تلك الملامح .. سوى ثقته بحب جده الشديد له و إن كان يميل لتربيته القاسية ،،، حتى أنشئه .. و جعله نسخة كانت الأقرب لجده .. الذي كان يرى انعكاس قوة شبابه في عيني حفيده الأكبر .. لا شيء كان يذيب الجليد الذي يكسو إحساسه تلك الأيام ،، سوى دفئ صدر تلك الحبيبة الذي قطع طريقه صوتها المرتجف و هي تنادي ..

- غيـــــــــــــث ..

توقف مكانه و ارتسمت على شفتيه ابتسامه صادقة تبخر كل جمود .. و كل كبر و هو يستدير ليجدها جالسة على أحد مقاعد جسدها الضئيل يكاد يختفي في المقعد الوثير ليحول عن اتجاهه و يخطو نحوها .. اقترب منها بسرعة ..

- السلام عليكم ..

صوتها الواهن يجيبه بابتسامة ..

- و عليكم السلام و الرحمه .. مرحبـــا الســــــاع بالغالــــــي ..

انحنى بحب يطبع قبلة على رأسها و كفها الغضة ..

- لمرحب بااقي يا القلب .. شحالج فديتج ..

شدت على يده ..

- بخير فديت روحك .. شحالك انته .. ربك بخير ..

- يسرج حاليه يا الغالية .. ياغير هالشركة لعوزتنيه من قبظت الإدارة فيها ..

عقدت جبينها بضيق ..

- الله يسامحه سعيد .. لو طايع شوريه و مقبض الإدارة حد من أعمامك و إلا أبوك .. اروحك تراكض يمين و يسار لأشغالك ..

قال بابتسامة معاتبا ..

- أفاا يا أم علي .. أنا قدها و قدود و إلا شرايج ..

ابتسمت بحب و هي تمد يدها تضعها على ذقنه تلامس لحيته المشذبة بعناية ..

- و نعم و الله .. يا الله فديتك ما تبا تحدر عند الرياييل .. من الصبح يرقبونك ..

قال مازحا ..

- لا خلاص أنا بتغدا وياج اليوم ..

- متغدية أنا يا الغالي .. و إلا كان خاويتك .. سر قداهم يعلنيه هب بلاك أبطيت عليهم ..

قبل رأسها قبل أن يعود و يتوجه للمجلس مرة أخرى .. فتح الباب بقوة دون أن يقرعه لتستدير الرؤوس نحوه بقوة ..

ابتسامته الجانبية لم تخفى عن الأعين و هو يسلم بصوته الرجولي العميق ..

- السلام عليكم

ردوا السلام عليه و هو يتوجه رأسا نحو ذاك العجوز الذي لازالت معالم القوة واضحة على وجهه و هو يتصدر المجلس الواسع .. و هو ينظر إليه بفخر .. يقترب منه ليسلم عليه بحرارة .. ثم يلتفت لأبيه الجالس على مقربة منه و يسلم عليه و على أعمامه ثم بدأ يسلم على أبناء عمّه و إخوته ..

انتهى منهم ليجلس على يمين جده براحة .. يكبح ابتسامه لؤم و هو يستشعر الحقد في تلك العينين .. لحظات قبل أن يميل لجده أمام أعين الحاضرين و يتهامسان مطولا قبل أن يقهقه جده بحبور و عينيه تشعان بمكر و قسوة ..

فيقول هو بصوت جهوري ..

- الغـــــــدا يا يماعة الخــــــــير ..

كان الغداء كغيره كل خميس .. لم يختلف شيئا فيه .. المناقشات المعتادة و الأحاديث التي تعاد ..

مر الوقت بسرعة و هما يتصارعان بالنظرات .. هو لا يلقي له بالا و يصد نظراته الحاقدة ببرود .. و ذاك يشتعل غيرة و هو يحتقر هذا المغرور .. كم سيبرد غليله لو استطاع سكب قدر الحساء العملاق على رأسه ..

انفضوا بعد الغداء بسرعة مجيئهم .. لا عجب فالجميع مشغولون و تلك الساعات المستقطعة من أوقاتهم الثمينة لكي يجتمعوا بها ،،، راحت هباءً و هم في انتظار حفيد العائلة الأكبر .. الذي لم يكن ينوي سوى تضييع المزيد من الوقت .. كي يصل متأخرا لهذه الاجتماعات التي يكرهها ..

نفض هذه الأفكار المتزاحمة عن ذهنه و هو ينفض رماد السيجارة بهدوء ..

- بيقتلك هالسم لي إنته تتنصخه ..

التفت بسرعة نحو صاحب الصوت الجهوري .. ليقف على قدميه باحترام و هو يقول بهدوء ..

- تعرفنيه ما أدخن إلا نادرا ..

هز جده رأسه بحكمه و هو يتقدم نحو المكتب ليستوي على المقعد ذو الظهر العريض ..

- يوم تكون ضايق .. شوه لي فخاطرك ..

- اقترب من النافذة .. طوله الفارع و عرض منكبيه يكاد يسد فتحتها العريضة .. و هو يقول بصرامة ..

- الصفقة هاي يبالها تركيز .. و تعرفينيه أتنرفز يوم يكون ورايه أشغال مهمة ما قضيتها ..

- بس هذا ..؟!

هز رأسه ببطء و هو لا يزال ينظر للباحة الأمامية المزروعة أمامه و هي تمتد حتى السور البعيد لحدود أملاكهم ..

.

.

كان يدير له ظهره و هو يبدو غارقا في أفكاره ،،، أنفاس سيجارته الذاوية تتصاعد ببطء ..

قبل أن يقترب ليدس السيجارة المشتعلة في المنفضة .. و جبينه لا زال معقودا .. يبدو ذهنه بعيدا أميالا عن هنا ..

رفع فجأة عينيه الحادتين ليلتقي بعينيه .. هذا هو الرجل الذي كان تربية يده و أفكاره ،، و أهدافه ..

و رغباته أيضــا ،،

قال بهدوء و هو يمعن النظر فيه ..

- إلا ما قلتليه ..، ما فيه أخبار عن عميه حمد ..؟!

التوت شفتيه بسخرية مريرة .. ابنه هذا .. شوكة في الخاصرة .. لا أحد ،، لا أحد البتة قد يستطيع أن يتحدث معه عن ابنه هذا باستثنائه هو .. حتى أبناءه يتجنبون الحديث عن أخيهم البعيد ذاك خشية إغضابه .. و لكنه لا يبالي ..!! يتحدث عن الموضوع و كأنما يتحدث عن الطقس ..

نظر له بعين ثاقبة لبرهة .. قبل أن يقول بهدوء ..

- ماشي أخبار عنه .. آخر مرة سمعت بها عنه يوم ملكتك و الرمسة لي يبتها وياك ..

ثم رفع رأسه و هو يرى البرود لا زال يكسو وجه حفيده ..

- اعلومها حرمتك .. ما يبت شي من أخبارها ..؟!

شخر غيث ساخرا و هو يستدير متوجها نحو الباب ..

- اعلومها من اعلوم أبوها .. لا يوم الملكة و لا قبلها و لا عقبها .. ما عرف منها غير اسمها .. كانيه ما نسيته ..

عقد الجد جبينه ،،، شيء ما لم يعجبه في نبرة حديثه ..!!

هذا قد يهز خططه المرسومة .. رفع بصره ليرى غيث قد وصل للباب يمسك بقبضته ليقول بهدوء قبل أن يخرج ...

- الين اليوم مادري ليش طلبتنيه أخطبها .. و انته هب راضي على أبوها ..

انقبض فك العجوز و هو يقول بصلابة ..

- غيث ..

اعتدل حفيده في وقفته و تصلب جسده الفارع .. متأكد بأن هذه النبرة لا زالت ترهبه .. و يحترمها ..!

تابع يقول بهدوء متوعد ..

- هاي حدودك لا تتعداها ..

.

.

كان شيء ما يلمع في أفق عيني ذاك الرجل و ابتسامة ماكرة تناوش شفته ..

حقا يقلقه أحيانا حفيده هذا ..!!



* * * * *



في اللحظة التي دلف فيها البيت هب الجميع يقفون بجانب بعضهم البعض .. يسلمون عليه بالتوالي ،، فيما هرعت زوجته للمطبخ لتحضر غداءه .. عادوا يجلسون بجانب بعض قبالته ،، فيما شمر عن كمّه و هو لا يزال ساكتا .. لا يعود من عمله إلا و قد أنهكه التعب .. لا يجد في داخله الرغبة لتبادل الأحاديث معهم ..

كانوا يراقبونه بصمت يخالطه رهبة حضوره .. اعتاد منهم هذا التعامل .. كان يتناول غداءه بصمت رهيب ..

أنهى غداءه وسط سكوتهم .. قبل أن يرفع صوته الأجش آمرا ..

- حور .. نشي هاتيليه ماي بغسل إيديّه ..

قالت بخنوع ..

- إن شا الله ..

و هرعت تجلب وعاء ماء يغسل يديه فيه ..

نظر لابنه الوحيد الذي يجلس بين شقيقاته الست و أمهن .. شعر بضيق شديد لمرآه يجلس بين الفتيات فصاح ..

- نايـــــــف ..

انتفض ابنه بذعر ليرى أبوه يعقد جبينه بغضب ..

- نش ذاكر و إلا إذلف إيلس في الميلس ..

صمت الجميع و نايف يهب مسرعا للتوجه إلى كتبه رغم أنه قد أنهى المذاكرة للتو .. و لكنه ليس مستعدا أن يعصي أباه ليكون ضحيّة - عقاله - ،، أبــــــدا ..

أحضرت حور وعاء الماء ليغسل يده فيه بضيق ،، هكذا يكون مزاجه دوما بعد عودته من العمل .. ثائرا ..

من الإرهاق و جسده الذي شاخ و لم يعد يحتمل ضغط الأثقال التي يرميها على أكتافه ..

إنتزع عمامته الذي كان يربطها على رأسه ،، مصفرة من الغبار .. و العرق ..

و رماها أرضا و هو يقول لحور بجفاف ..

- إغسليها ..

هزت رأسها ..

- إنشا الله ..

هب واقفا و توجه لغرفته ليأخذ قيلولة قصيرة قبل صلاة العصر .. فالتقطت حور العمامة و وعاء الماء و هبت عفرا لكي تأخذ صحن الغداء الذي تركه والدها ..

وضعت الوعاء في المطبخ و قامت عفرا بغسل الصحون ثم توجهت مع إخوتها لغرفتهن المشتركة كي يواصلن المذاكرة .. جميعهن السبع فتيات يرقدن في غرفة ضيّقة فيما أصبحت الغرفة الوحيدة المتبقيّة لنايف وحده ..

غسلت عمامة أبيها القذرة .. و نفضتها لتعلقها على حبل الغسيل .. جيد ستجف قبل غروب الشمس ..

هذه العمامة التي تحتضن جهود أبيهم ،، تعبه ،، سعيه لإعالتهم ..

مدت يدها بحنان لتلامس العمامة .. لا يهم كيف يعاملهم أو كيف يقسو عليهم .. لا يهمها حقا ما تسبب لها من أذى حين أجبرها على ما لا تريد ..

يكيفيها بأن والدهم و أن لا يساوون شيئا دونه ..








آخــر مواضيعـى » أبوي جبرني فيك و كسر عنادي بس ما دريت إنك صرت كل هلي و ناسي
» رواية زوجوني منك غصب و حببوني فيك غصب
» روايات سعودية 2012 ترى ما يهمني لا أهلي ولا غيرهم والله لا أثبتلك
» رواية رضيت بقدري و حبيتك
» ناسي وعد قلبي
  رد مع اقتباس
 
1 2 3 4 6 7 8 9 10 11 12 13 15 16 17 18 19 20 21 22 23 28 29 30 33 34 35 36 37 39 41 42 43 44 45 46 47 48 49 53 54 55 56 57 58 59 60 61 62 63 64 65 66 77 78 79 80 98